الضيافه العجيبة
«يحكى أنّ رجلا عاشَ في إحدى القرى واُشتهر فيها بالكرم وفعْل الخير، حتّى عمّ إحسانُه عـلي الجميع وذاع صيته في الجوار بسببِ حسن ضيافته وإكرامه الضّيفَ. غير أنه عُرف بخصلةٍ سيّئة
وحيدة، إذ كلّما حلّ به زائرٌ بالغ في ضيافته واحترامه وسارع إلى تقديم أفضل ما في بيته من عشاء، ثمّ قدّم له فطورًا دسِما في الصباح، ولم يكن يكتفي بهذا، بل يضعُ في حقيبةِ الضّيفِ وجبة الغداء كاملة، ثم يرافقه حتّى أطرافِ
القرية، حيث ينهالُ عـلـيه بهراوته قبيْل مفارقته.
ويقال انّ أخبار هذا السلوكِ العجيب من كرمٍ وحسنِ ضيافة ينتهيان بالضربِ قد انتشرتْ في المنطقة بأسرها، فقرّر رجلٌ من إحدى القرى المجاورةِ أنْ يعرف
حقيقة الأمرِ والسرِّ الذي يكمن وراء هذا التصرّف الغريبِ، فلبس ثياب السفر ووضع خنجرَه في حزامه وامتطى دابته وقال في نفسه:
– لسوف انهي خياته بهذا آلة حادة إنْ ضربنى أو رفع هراوته بوجهي.
ومضى حتّى وصلَ إلى منزلِ ذلك الرجل قبل حلولِ المساء، فاستقبله الأخيرُ بكلّ تقديرٍ وترحابٍ، وقدّم له عشاءً فاخرا وهيّأ له فراشا وثيرا وفطورا صباحيّا
شهيّا، ثمّ أصرّ عـلي أنْ يضع له وجبة غدائه في حقيبة السفر، ثم إنجاب هراوته وسار معه ماشيا حتّى أطرافِ القرية. كلّ هذا والضيفُ ممسكٌ بقبضة خنجره متهيئ لطعنه إذا حاول ضربه بالهراوة.
وعندما بلغَا حدودَ القرية، امتطى الضيفُ دابته وودّع مضيّفَه وابتعد قليلا دون أنْ يلاحظ علـيه أي مسعى لضربه كما سمع من الآخرين. فتوقف وعاد إليه وقال له:
– مهلا أيها الرجلُ. لقد سمعت بأنك انسان خيّر كريم تحسن استقبال ضيوفك. وهذا ما تأكدت منه ورأيته بعيني، لكنني سمعت أيضا بأنك تنهال علي ضيوفك بهراوتك في ساعة
التوديع، فلماذا لم تحاولْ فعْل ذلك معي؟ هل خفتَ آلة حادة الذي في يدي والذي أقسمت بأن اقټلك به إذا أقدمت عـلـي ضړبي؟
ضحك الرجل وأجاب:
– كلاّ. انـا لم أفكر أصلا بضړبك
– فلماذا كنت تفعل هذا مع الآخرين؟
– لأنك لم تفعل مثلما كانوا يفعلون: لقد كانوا يبالغون في تملّقي ومدحي وإطرائي علـي شيء أعتبره واجبا عليّ، وكانوا بذلك يضيّعون عليّ أجر ما فعلت. ولهذا كنت أعاقبهم وأستردّ أجري بضربهم».
( انتهى)